الكلام على حديث : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا ) .
السؤال
: هل هذه الأحاديث صحيحة ، وما المراد بذلك المثل : عن الضحاك بن سفيان
رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له "يا ضحاك ما طعامك
؟ قال يا رسول الله : اللحم واللبن . قال : ثم يصير إلى ماذا ؟ قال: إلى
ما قد علمت . قال : فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا"
!!
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده" (15320) والطبراني في "الكبير" (8138) والبيهقي في
"الشعب" (5653) من طريق عَلِيِّ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الضَّحَّاكِ
بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : يَا ضَحَّاكُ مَا طَعَامُكَ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ . قَالَ ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى مَاذَا ؟ قَالَ إِلَى
مَا قَدْ عَلِمْتَ . قَالَ : ( فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ مَا
يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا ) .
وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف ، ضعفه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وأحمد ويحيى
والبخاري وابن خزيمة وغيرهم ، ووصفوه بالاختلاط وسوء الحفظ .
راجع : "ميزان الاعتدال" (3 / 127) .
والحسن مدلس ، وقد عنعنه .
ورواه ابن حبان في "صحيحه (702) وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (20733)
والمروزي في "زوائد الزهد" (169) والبيهقي في "الآداب" (464) من طريق أبي حذيفة قال
: حدثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( إن مطعم ابن آدم ضرب للدنيا مثلا بما خرج من ابن آدم وإن قزحه
وملحه فانظر ما يصير إليه )
وأبو حذيفة هو موسى بن مسعود النهدي ، قال الذهبي : " صدوق إن شاء الله ، يهم .
تكلم فيه أحمد ، وضعفه الترمذي ، وقال ابن خزيمة : لا أحتج به ، وقال عمرو بن على :
لا يحدث عنه من يبصر الحديث ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوى عندهم ، وقال
بندار : ضعيف الحديث " .
"ميزان الاعتدال" (4 / 221-222)
لكنه أقوى من ابن جدعان ، وقد روى له البخاري في صحيحه متابعة ، وهو من شيوخه ،
راجع : "مقدمة الفتح" (ص 446) .
ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (167) من طريق عبد السلام بن حرب ، عن يونس ، عن
الحسن ، عن عتي ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
ورواه أبو حاتم الرازي في "الزهد" (33) من طريق يزيد بن إبراهيم التستري ، قال :
سمعت الحسن يحدث ، عن أبي بن كعب ، قال : فذكره موقوفا .
ورواه أبو داود في "الزهد" (188) من طريق يزيد وهشيم عن يونس ، عن الحسن ، عن عتي
السعدي ، قال : سمعت أبي بن كعب موقوفا .
ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (168) حدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا إسماعيل ابن
علية ، عن يونس ، عن الحسن ، عن عتي ، عن أبي بن كعب موقوفا .
وقال الطيالسي : وحدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب به موقوفا .
"إتحاف الخيرة المهرة" (4 / 294)
قال ابن صاعد : " وقد روى هذا الحديث عن أبي بن كعب ووقفه بعض ورفعه بعض " .
انتهى .
والأكثرون على وقفه .
وله شاهد رواه ابن المبارك في "الزهد" (492) وابن أبي الدنيا في "الجوع" (169) من
طريق سفيان ، عن عاصم ، عن أبي عثمان مرفوعا بمعناه .
والحديث : قال الهيثمي في "المجمع" (10 / 514) :
" رواه عبد الله والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير عتي وهو ثقة " .
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/103) :
" رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي " .
وقال شعيب الأرنؤوط : في
تعليقه على صحيح ابن حبان : " حديث صحيح " .
وحسنه الألباني في "الصحيحة" (382) وفي "صحيح الجامع" (1778) وصححه لغيره في "صحيح
الترغيب" (2150) .
فالله أعلم .
ثانيا :
أما معنى الحديث : فقال المناوي رحمه الله :
" قال الزمخشري : معناه أن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه
وتحسينه ، فإنه لا محالة عائد إلى حال يستقذر ، فكذا الدنيا المحروص على عمارتها ،
ونظم أسبابها : راجعة إلى خراب وإدبار . انتهى .
وقال الديلمي : هذا كناية عن البول والغائط ، يعني : ما يخرج منه كان قبل ذلك
ألوانا من أطعمة طيبة وشرابا سائغا ، فصارت عاقبته ما ترون ، فالدنيا خضرة حلوة
والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها ينافس في زينتها ظانا أنها تبقى ، أو هو يبقى .
انتهى .
فشهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة ، وسوف يجد العبد عند الموت
لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت
إلى المعدة غايتها . وكما أن الأطعمة كلما كانت ألذ طعما وأكثر دسما وحلاوة ، كان
رجيعها أقذر ، فكذا كل شهوة في النفس ألذ وأقوى ، فالتأذي بها عند الموت أشد ، كما
أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بفقد محبة المحبوب " انتهى من "فيض القدير"
(2 / 278-279) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" إن الله جعل طعام ابن آدم وما يخرج منه مثلا للدنيا ؛ فإنه وإن قزحه وملحه ،
فلينظر إلى ماذا يصير ؟ فما اغتر بها ولا سكن إليها إلا ذو همة دنية ، وعقل حقير
وقدر خسيس "انتهى.
"طريق الهجرتين" (ص 382-383)
والله تعالى أعلم .