حديث : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)
السؤال
:
ما حكم قول : سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى حديث عبد الله بن
الشخير رضي الله عنه الذي قال فيه : انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا :
أَنْتَ سَيِّدُنَا ، فَقَالَ : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)
. قُلْنَا : وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا ، فَقَالَ :
(قُولُوا بِقَوْلِكُمْ ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ ، وَلَا
يَسْتَجْرِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ) .
الجواب :
الحمد لله
"الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام بلا شك ، وبإجماع
أهل العلم ؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام : (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ) فهو سيد ولد آدم وأفضلهم عليه الصلاة والسلام بما خصه
الله من الرسالة العامة ، والنبوة ، والعبودية الخاصة ، والفضل العظيم الكثير الذي
جاءت به الأحاديث ودل عليه القرآن الكريم ، فهو أفضل عباد الله ، وهو سيد ولد آدم
عليه الصلاة والسلام .
ولا
بأس ولا حرج في أن يقول الإنسان : اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه .
فهذا كله لا حرج فيه إلا في المواضع التي شرع الله فيها تمحيض اسمه وعدم ذكر السيد
فيها ، فإنه لا يأتي بالسيد فيها ، كما في التحيات يقول : "أشهد أن لا إله إلا الله
، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ؛ لأنه لم يرد في هذا المقام ذكر السيد ، فالأولى
الاقتصار على ما جاء في النصوص ، وهكذا في الأذان والإقامة يقول : "أشهد أن محمداً
رسول الله" في الأذان وفي الإقامة ، ولا يقول : أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله .
لعدم وروده ، فلما لم يرد في النصوص استمر المسلمون على عدم ذكر السيد هنا في
الصلاة وفي الأذان والإقامة .
الصحابة وغيرهم كلهم لم يرد عنهم أنهم قالوا في الأذان أو الإقامة : سيدنا محمد ،
بل يقول المؤذن والمقيم : أشهد أن محمداً رسول الله .
وهكذا في الصلاة يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . هذا
هو الأفضل .
أما
في المواضع الأخرى مثل الخطبة في الجمعة والأعياد فلا بأس ، فالأمر موسع ، أو
الخطبة في المحاضرات والمؤلفات كل هذا لا بأس به ، لأنه حق ، لأنه سيد ولد آدم عليه
الصلاة والسلام ، وأما ما جاء في حديث عبد الله بن الشخير فقد قال العلماء فيه :
إنه قال : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) . من باب التواضع ، ومن باب
الخوف عليهم أن يغلوا فيه ويطروه عليه الصلاة والسلام فيقعوا في الشرك ، فخاف عليهم
صلى الله عليه وسلم وقال : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) .
وهذا حق ، فهو سبحانه سيد الجميع ، وهو الملك الأعظم ، السيد : هو الملك وهو الحاكم
، فالله جل وعلا هو أحكم الحاكمين وهو ملك الملوك سبحانه وتعالى ، فتسميته بالسيد
لا محذور فيه ولا إشكال فيه ، فهو ملك الملوك وأولى باسم السيد من غيره سبحانه
وتعالى .
لكن
هذا الاسم لا بأس من إطلاقه على غيره ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ سيد
بني فلان؟) يسأل الصحابة ، وقال في قصة سعد بن معاذ لما جاء للحكم في بني قريظة قال
للصحابة: (قوموا إلى سيدكم) ، وقال في الحسن بن علي بن ابنته : (إِنَّ ابْنِي هَذَا
سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ)
فحقق الله ما قال ، وأصلح به بين أهل الشام والعراق ، فهذا كله يدل على جواز إطلاق
اسم السيد على العالم والرئيس والملك وعليه صلى الله عليه وسلم ، لأنه سيد ولد آدم
.
وأما قوله : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) فهذا بيان أن من أسماء الرب
السيد ، وأنه إنما ينبغي لمن ووجه وقيل له : يا سيدنا أو أنت سيدنا . أن يقول هذا
الكلام تواضعاً وخشية لله سبحانه وتعالى وتعظيماً له وتحذيراً للقائل من هذا الذي
قاله ، لئلا يقع في الغلو والإطراء .
فإذا قيل : يا سيدنا فلان أو أنت سيدنا ، فيقول هذه المقولة ، يقول : لا تقل هذا
الكلام (السَّيِّدُ اللَّهُ)
كما
قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، تحريضاً على التواضع وخوفاً من الكبر والخيلاء لمن
قيل له ذلك ، وخوفاً من الغلو أيضاً فقد يغلو ؛ فربما دعاه من دون الله أو استغاث
به أو عظمه تعظيماً لا يليق إلا بالله ، فلهذا أنكره النبي صلى الله عليه وسلم وقال
: (السَّيِّدُ اللَّهُ) . وقال : (قُولُوا بِقَوْلِكُمْ ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ ،
وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ) . أي لا يجركم الشيطان إلى الغلو والإطراء
الذي يوقع الأمة فيما حُرِّم من الشرك الذي حرمه الله ووسائله" انتهى .
سماحة
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/475 – 477) .