موقف المسلم من الأحاديث الضعيفة
السؤال
:
ما واجبنا تجاه مصيبة انتشار الأحاديث الموضوعة ؟
ما هو دورنا نحن عامة الناس أمام انتشار الكذب على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؟ ونريد منكم كلمة لأولئك الذين ينشرون الأحاديث دون التأكد من
صحتها .
الجواب :
الحمد لله
المسلم الصادق هو الذي يحرص على نقاء الدين وصفاء الشريعة من كل دخيل وغريب ، فقد
أكمل الله علينا النعمة ، وأتم لنا المنة بهذه الشريعة السمحة ، وأخذ الميثاق على
أهل العلم أن يبلغوه للناس ولا يكتموه ، وذم كثيرا من الذين أوتوا الكتاب من الأمم
السابقة حين ابتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم ترد
به ، وفي جميع ذلك دعوة إلى الحرص الشديد على ذب الكذب عن سنة النبي صلى الله عليه
وسلم ، ومحاربة كل من يتطاول عليها بالأحاديث والأحكام المفتراة .
ولعل الأهم في هذا الشأن هو اقتراح بعض الخطوات العملية التي تساهم في حصر انتشار
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضييق دائرته ، ومن ذلك :
1-
تعريف الناس بخطورة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه كبيرة من كبائر
الذنوب ، يستحق فاعلها أن يذوق العذاب الأليم في دركات جهنم ، قال النبي صلى الله
عليه وسلم : (مَنْ
كَذَبَ
عَلَيَّ
مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ
مَقْعَدَهُ
مِنْ
النَّارِ) رواه البخاري (110) ومسلم (3) .
2-
نشر
الكتب التي تعتني ببيان الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ، مثل كتاب " الموضوعات " لابن
الجوزي ، وكتاب " الموضوعات " للشوكاني ، و "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"
للألباني ... وغيرها .
3-
العناية بمواقع الإنترنت المتخصصة في هذا الشأن ، ومن أهمها موقع "الدرر السنية".
4-
بيان عظيم جناية الأحاديث المنكرة والموضوعة على فكر الأمة وثقافتها وتراثها ، وكيف
كانت سببا في انحراف الكثيرين عن الجادة ، كما كانت سببا مباشرا لانتشار الخرافة
والشطح والغلو ، مع أخذ العظة والعبرة من الأمم التي حرف دينها ومسخت شريعتها بسبب
عدم صيانة علمائها لها عن الدخيل والموضوع ، ومثال ذلك في الأديان : النصرانية ،
وفي الفرق : الرافضة .
قال
الإمام الذهبي رحمه الله :
"
فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كانوا
يُمنَعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد - بل هو غَضٌّ لم يشب - ، فما ظنك
بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا ، مع طول الأسانيد وكثرة الوهم
والغلط ؟!
فبالحري أن نزجر القوم عنه ، فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف ، بل
يروون – والله - الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد
.
نسأل الله العافية .
فمن
روى ذلك مع علمه ببطلانه وغَرَّ المؤمنين : فهذا ظالمٌ لنفسِهِ ، جانٍ على
السُّنَنِ والآثار ، يُستَتاب من ذلك ، فإن أناب وأقْصَر وإلا فهو فاسقٌ ، كفى به
إثماً أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع . وإن هو لم يعلم : فليتورّع ، وليستعِن بمن
يُعينُهُ على تنقية مروياته .
نسأل الله العافية.
فلقد عَمَّ البلاء ، وشمَلت الغفلة ، ودخل الدّاخل على المحدّثين الذين يَرْكَنُ
إليهِم المسلمون . فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام " انتهى.
"
سير أعلام النبلاء " (2/601) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
يوجد الآن أحياناً منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصاً لا أصل لها ، ثم تنشر بين
العامة ، وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها إنه آثمٌ بذلك ، حيث يُضل عن سبيل
الله ، يضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة ، أحياناً يكون الحديث
موضوعاً ليس ضعيفاً فقط ، ثم تجد بعض الجهال يريدون الخير ، فيظنون أن نشر هذا من
الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف ، وهو لا يدري
أن الأمر خطير ، وأن تخويف الناس بما لا أصل له حرام ؛ لأنه من الترويع بلا حق ، أو
يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بل هو
موضوع ، هذا أيضاً محرم ؛ لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت ، فيحتسبونه على الله عز
وجل ، وهو ليس كذلك ، فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن
افتروا على الله كذباً ليضلوا الناس بغير علم ، وليعلموا أن الله لا يهدي القوم
الظالمين ، وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم " انتهى.
"
فتاوى نور على الدرب " ( مصطلح الحديث ).
وقال الشيخ سليمان العلوان حفظه الله :
"
إن
مما يحزن ويؤسف ما عمَّ وانتشر عند كثير من العلماء وطلبة العلم والخطباء وغيرهم من
التساهل في رواية الحديث ، وعدم التثبت في صحته ، وكثيرا ما نسمع من كثير من
الخطباء والوعاظ – فضلا عن غيرهم – من الأحاديث الموضوعة والضعيفة جدا ، ومع ذلك
يجزمون بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم : وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، أو : لقوله صلى الله عليه وسلم ...... وما أشبه ذلك ، وهذه شهادة على
الرسول بلا علم ، وجزم بلا برهان ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من كذب عليَّ
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) فعمَّت الأحاديث الموضوعة والضعيفة بين العوام
لكثرة سماعهم لها من الخطباء والوعاظ ، والله جلّ وعلا أمر بالتثبت في الأخبار
الجارية بين الناس ؛ فكيف بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قوله تشريع وفعله
تشريع ؟!
والبعض الآخر يذكر الحديث وينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم مَن خَرَّجه
ولا صحته ، فإذا أردت أن تستفهم منه أو تسأله : من رواه ؟ وما صحته ؟ أجابك مبادراً
رافعاً رأسه : لا يضر جهالة صحته ، هذا من فضائل الأعمال . عجبا! (آللّهُ أَذِنَ
لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ)
يونس/59 .
ولو
فرضنا أنها من فضائل الأعمال ؛ فالأحاديث الموضوعة لا يجوز ذكرها إلا مع بيان أنها
موضوعة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فبسبب هذا التساهل توصل أهل البدع إلى
بث بدعهم ونشرها بين الناس ؛ بحجة أنها أحاديث فضائل لا بأس بالعمل بها ، متناسين
أنهم بذلك يشرعون للناس بها ؛ لأنهم سيعملون بها ويبلغونها غيرهم" انتهى .
"
الإعلام بوجوب التثبت برواية الحديث " (ص/4) .
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم:
(6981) ، (
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])
. والله أعلم .