حديث يتعاقب فيكم اثنا عشر إماما كلهم من قريش
سؤال:
أريد شرحا لهذا الحديث ؛ لأن الشيعة دائما يستدلون به :
في "صحيح مسلم" يروى أن محمدا صلى الله عليه وسلم قال :
( سيستمر الإسلام حتى قيام الساعة ، وسيتعاقب عليكم اثنا عشر إماما ، كلهم من قريش )
الجواب:
الحمد لله
أولا : نص الحديث :
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :
( إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ
فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً . قَالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ
خَفِيَ عَلَيَّ . قَالَ : فَقُلْتُ لِأَبِي : مَا قَالَ ؟ قَالَ :
كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ )
رواه البخاري (رقم/7222) ومسلم واللفظ له (رقم/1821).
وفي لفظ عنده أيضا :
( لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ
خَلِيفَةً )، وفي لفظ آخر: ( لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا
مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ) ، وأما لفظ البخاري فجاء فيه :
( يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا - فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا
فَقَالَ أَبِى إِنَّهُ قَالَ - كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ )
ثانيا :
للعلماء في تفسير وتوجيه هذا الحديث مسالك عدة :
المسلك الأول : قالوا : المراد العادلين من الخلفاء ، وقد مضى بعضهم في الأمة ، وسيكتمل عددهم إلى قيام الساعة .
يقول النووي رحمه الله ناقلا عن القاضي عياض :
" ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين ، وقد مضى منهم من عُلم ، ولا بد مِن تمام هذا العدد قبل قيام الساعة " انتهى.
"شرح مسلم" (12/202).
واختار هذا القول الإمام القرطبي رحمه الله ، فقال :
" هم خلفاء العَدْلِ ؛ كالخلفاء الأربعة ، وعمر بن عبد
العزيز ، ولا بُدَّ من ظهور من يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتهم في إظهار الحق
والعدل ، حتى يَكْمُل ذلك العدد ، وهو أولى الأقوال عندي " انتهى.
"المفهم" (4/8)
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا ،
يقيم الحق ويعدل فيهم ، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم ، بل قد
وجد منهم أربعة على نَسَق ، وهم الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ،
وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم ، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند
الأئمة ، وبعض بني العباس .
ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة ، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (3/65)
المسلك الثاني : تفسيره باجتماع هؤلاء الاثني عشر خليفة في زمن وعصر واحد .
يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - :
" قيل : إن معناه أنهم يكونون في عصر واحد ، يتبع كل واحد
منهم طائفة . قال القاضي : ولا يبعد أن يكون هذا قد وجد إذا تتبعت
التواريخ ، فقد كان بالأندلس وحدها منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين
سنة ثلاثة ، كلهم يدعيها ويلقب بها ، وكان حينئذ في مصر آخر ، وكان خليفة
الجماعة العباسية ببغداد سوى من كان يدعي ذلك في ذلك الوقت في أقطار الأرض
. قال : ويعضد هذا التأويل قوله في كتاب مسلم بعد هذا : ( ستكون خلفاء
فيكثرون . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا بيعة الأول فالأول ) " انتهى.
"شرح مسلم" (12/202)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال – يعني : المهلب - : والذي يغلب على الظن أنه عليه
الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن ، حتى يفترق الناس في وقت
واحد على اثني عشر أميرا ، قال : ولو أراد غير هذا لقال يكون اثنا عشر
أميرا يفعلون كذا ، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في
زمن واحد . انتهى كلام المهلب .
قال الحافظ : وهو كلام مَن لم يقف على شيء من طرق الحديث غير
الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة ، وقد عرفت من الروايات التي
ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم ، وهو كون
الإسلام عزيزا منيعا ، وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو أن كلهم يجتمع
عليه الناس ، كما وقع عند أبي داود ، فإنه أخرج هذا الحديث من طريق
إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بن سمرة بلفظ : ( لا يزال هذا
الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة )،
وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد ، عن جابر بن سمرة بلفظ : (
لا تضرهم عداوة من عاداهم ) " انتهى.
"فتح الباري" (13/211)
المسلك الثالث : المراد مَن يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه ، سواء عدل وحكم بالقسط أو لا .
يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - :
" ويحتمل أن المراد مَن يعز الإسلام في زمنه ، ويجتمع المسلمون عليه ، كما جاء في سنن أبي داود : ( كلهم تجتمع عليه الأمة )
وهذا قد وجد قبل اضطراب أمر بني أمية واختلافهم في زمن يزيد بن الوليد ، وخرج عليه بنو العباس " انتهى.
"شرح مسلم" (12/202-203)
ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله - في معرض تعداده أقوال أهل العلم في الحديث - :
" أنَّ هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بَعْدَهُ وبَعْدَ
أصحابه ، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أُمَيَّه ، ويعني بالدِّين :
الملك والولاية ، وهو شرح الحال في استقامة السَّلْطَنَةِ لهم ، لا على
طريق المدح .
وقد يقال : الدِّينُ على الْمُلْكِ ؛ كما قال :
لَئِنْ حَلَلْتَ بِجوٍّ في بني أسدٍ فِي دِينِ عمرٍو وحَالتْ بيننا فَدَكُ
وقيل ذلك في قوله تعالى : ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) .
ثم عدّد هذا القائل ملوكهم فقال :
أَوَّلُهم يزيدُ بنُ معاوية ، ثم ابنه معاويةُ بن يزيد -
وقال : ولم يذكر ابن الزبير لأنه صحابي ، ولا مروان لأنه غاصب لابن الزبير
- ، ثم عبد الملك ، ثم الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم
يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، ثم الوليد بن يزيد ، ثم يزيد
بن الوليد ، ثم إبراهيم بن الوليد ، ثم مروان بن محمد . فهؤلاء اثنا عشر .
ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس " انتهى.
"المفهم" (4/8-9) ، وهذا القول ذكره ابن الجوزي في "كشف
المشكل من حديث الصحيحين"، ونقله عن الخطابي أيضا ، في كلام طويل هذا
حاصله ، ولعل القرطبي يقصد في نقله ابن الجوزي .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة : معاوية ، وابنه يزيد ، ثم عبد الملك ، وأولاده الأربعة ، وبينهم عمر بن عبد العزيز .
وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن ،
فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام ، وكانت الدولة في زمنهم عزيزة ،
والخليفة يدعى باسمه عبد الملك وسليمان ، لا يعرفون عضد الدولة ، ولا عز
الدين ، وبهاء الدين ، وفلان الدين .
وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس ، وفي المسجد
يعقد الرايات ، ويؤمر الأمراء ، وإنما يسكن داره ، لا يسكنون الحصون ، ولا
يحتجبون عن الرعية " انتهى.
"منهاج السنة" (8/170)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أرجحها الثالث ؛ لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة
: ( كلهم يجتمع عليه الناس ) ، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم
لبيعته ، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ،
ثم علي ، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين ، فسمي معاوية يومئذ بالخلافة ،
ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ،
ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف ،
إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثم اجتمعوا
على أولاده الأربعة : الوليد ، ثم سليمان ، ثم يزيد ، ثم هشام ، وتخلل بين
سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين ،
والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع الناس عليه لما مات
عمه هشام ، فولي نحو أربع سنين ، ثم قاموا عليه فقتلوه ، وانتشرت الفتن
وتغيرت الأحوال من يومئذ ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك ؛
لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته ، بل
ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولما مات يزيد
ولي أخوه إبراهيم ، فغلبه مروان ، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل
، ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من
ثار عليه ، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته ، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى
باستيلاء المروانيين على الأندلس ، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى
أن تسموا بالخلافة بعد ذلك ، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض ، إلى أن
لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد ، بعد أن كانوا في أيام بني
عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا
ويمينا مما غلب عليه المسلمون ، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها
الإمارة على شيء منها الا بأمر الخليفة ، ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك
، فعلى هذا يكون المراد بقوله : ( ثم يكون الهرج ) يعني : القتل الناشئ عن
الفتن وقوعا فاشيا ، يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام ، وكذا كان .
والله المستعان " انتهى.
"فتح الباري" (13/214)
المسلك الرابع : أن هؤلاء الاثني عشر خليفة يأتون بعد ظهور المهدي في آخر الزمان .
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
" وأما الوجه الثاني الذي ذكره أبو الحسين ابن المنادي في هذا الحديث ، فإنه قال في قوله :
( يكون بعدي اثنا عشر خليفة ) قال : هذا إنما يكون بعد موت
المهدي الذي يخرج في أواخر الزمان ، قال وقد وجدنا في كتاب دانيال : إذا
مات المهدي ملك خمسة رجال ، وهم من ولد
السبط الأكبر - يعني ابن الحسن بن علي - ثم يملك بعدهم خمسة
رجال من ولد السبط الأصغر ، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط
الأكبر ، فيملك ، ثم يملك بعده ولده ، فيتم بذلك اثنا عشر ملكا ، كل واحد
منهم إمام مهدي .
قال ابن المنادي : ووجدنا في رواية أبي صالح عن ابن عباس أنه
ذكر المهدي فقال : ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا خمسين ومائة ، فستة من
ولد الحسن ، وواحد من ولد عقيل بن أبي طالب ، وخمسة من ولد الحسين ، ثم
يموت فيفسد الزمان ويعود المنكر .
قال : وقال كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهديا ، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال " انتهى.
"كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/292-293) وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام ابن المنادي هذا وقال:
" وأما ما ذكره عن أبي صالح فواه جدا ، وكذا عن كعب " انتهى. "فتح الباري" (13/214)
المسلك الخامس : تفسيره بتفاصيل الهيئة الحاكمة : الخليفة ، والوزراء ، والنواب ، والحكام وهكذا .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وقد تأول ابن هبيرة الحديث على أن المراد أن قوانين المملكة باثني عشر ، مثل الوزير ، والقاضي ، ونحو ذلك .
وهذا ليس بشيء . بل الحديث على ظاهره لا يحتاج إلى تكلف " انتهى.
"منهاج السنة" (8/173)
المسلك السادس : التوقف ، وإيكال العلم في ذلك إلى الله عز وجل .
يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - :
" والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"شرح مسلم" (12/203)
ونقل ابن بطال عن المهلب قوله :
" لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث يعني بشيء معين " انتهى.
"فتح الباري" (13/211)
يقول ابن تيمية رحمه الله :
" ومنهم من قال : لا أفهم معناه كأبي بكر بن العربي " انتهى.
"منهاج السنة" (8/173)
ثالثا :
أما استدلال الشيعة بهذا الحديث على عقيدتهم الإمامية ، التي
تؤمن بالإمامة – التي تعني العصمة والتدبير بل والتشريع والتصرف في الكون
– لاثني عشر رجلا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، يسمونهم بأسمائهم
، وآخرهم المهدي ، فهو استدلال بعيد محرف سببه التعصب والجهل والهوى .
ونحن نبين وجه وهاء قولهم من وجوه عدة :
1- المذكور في الحديث : " اثنا عشر خليفة "، وليس " اثنا عشر
إماما "، وفرق بين الأمرين ، فالإمامة عندهم أمر زائد على الخلافة والحكم
، فالإمامة تقتضي عندهم وجوب الطاعة وعصمة الأقوال والأفعال والنيابة عن
الله تعالى في التصرف بهذا الكون وعلم الغيب ونحو ذلك من الغلو الذي يصل
إلى حد الكفر والعياذ بالله . وأما الحديث فغاية ما فيه أنه سيأتي اثنا
عشر خليفة ، وفي رواية أميرا ، ليدل على وقوع الإمارة في اثني عشر رجلا من
قريش .
2- هؤلاء الاثنا عشر نسبوا في الحديث إلى قريش ، فقال صلى
الله عليه وسلم : ( كلهم من قريش ) ، ولو كانوا من آل بيت النبي صلى الله
عليه وسلم لقال : ( كلهم من بني هاشم ) فإن الهاشمية أخص من القرشية ، وقد
جرت العادة النسبة إلى أقرب نسب ، فلولا أنهم ليسوا كلهم من بني هاشم لما
نسبهم صلى الله عليه وسلم إلى قريش .
3- نص الحديث يدل على أن عصر هؤلاء الخلفاء الاثني عشر هو
عصر عز ومنعة واستقامة وظهور للإسلام ، وهذا ما لم يقع في عصور الأئمة
الاثني عشر الذين سمتهم الشيعة ، فقد عاشوا كلهم حياة ضعف وملاحقة واختفاء
عن الأنظار ، فأنى لهم بتحقيق عز الإسلام ومنعته وهم في هذا الحال ؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن ظن أن هؤلاء الاثنى عشر هم الذين تعتقد الرافضة
إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا علي بن
أبي طالب ، وأما سائر الأئمة غير علي فلم يكن لأحد منهم سيف ، لا سيما
المنتظر ، بل هو عند من يقول بإمامته إما خائف عاجز ، وإما هارب مختف من
أكثر من أربعمائة سنة .
وهو لم يهد ضالا ، ولا أمر بمعروف ، ولا نهى عن منكر ، ولا
نصر مظلوما ، ولا أفتى أحدا في مسألة ، ولا حكم في قضية ، ولا يعرف له
وجود .
فأي فائدة حصلت من هذا لو كان موجودا ؟ فضلا عن أن يكون الإسلام به عزيزا .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام لا يزال
عزيزا ، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى يتولى اثنا عشر خليفة ، فلو
كان المراد بهم هؤلاء الاثنا عشر ، وآخرهم المنتظر وهو موجود الآن إلى أن
يظهر عندهم : كان الإسلام لم يزل عزيزا في الدولتين الأموية والعباسية ،
وكان عزيزا وقد خرج الكفار بالمشرق والمغرب ، وفعلوا بالمسلمين ما يطول
وصفه ، وكان الإسلام لا يزال عزيزا إلى اليوم ، وهذا خلاف ما دل عليه
الحديث .
وأيضا فالإسلام عند الإمامية هو ما هم عليه ، وهم أذل فرق
الأمة ، فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة ، ولا أكتم لقوله منهم ، ولا
أكثر استعمالا للتقية منهم ، وهم على زعمهم شيعة الاثني عشر ، وهم في غاية
الذل ، فأي عز للإسلام بهؤلاء الاثني عشر على زعمهم ، وكثير من اليهود إذا
أسلم يتشيع ؛ لأنه رأى في التوراة ذكر الاثني عشر ، فظن أن هؤلاء هم أولئك
، وليس الأمر كذلك بل الاثنا عشر هم الذين ولوا على الأمة من قريش ولاية
عامة ، فكان الإسلام في زمنهم عزيزا ، وهذا معروف " انتهى.
"منهاج السنة" (8/173-174)
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" وهذا الحديث فيه دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر
خليفة عادلا ، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر ، فإن كثيرًا من أولئك
لم يكن إليهم من الأمر شيء ، فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش، يَلُون
فيعدلون " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (6/78)
ويقول الشيخ عثمان الخميس حفظه الله :
" ولسائل أن يسأل : هل الأمر مجرد مصادفة أن يقول النبي صلى
الله عليه وسلم يحكم أو يلي أمر المسلمين اثنا عشر ، ويكون عدد أئمة
الشيعة اثني عشر ؟
والجواب : هو أن الأمر ليس مصادفة ، والشيعة الأول لم يكونوا
يقولون بإمامة الاثني عشر ، ولهذا انقسمت الشيعة إلى فرق كثيرة ، فمن
الشيعة من قال بإمامة علي وحده ، وهم السبئية ، ووقفوا عنده ، وفرقة قالت
بإمامته وإمامة الحسن والحسين ومحمد بن علي ، وهم الكيسانية ، ووقفوا عند
محمد ، وفرقة قالت بالإمامة إلى جعفر ووقفت ، وفرقة قالت بإمامة المنتظر ،
وهم الاثنا عشرية . وهناك فرق أخرى واختلافات كثيرة من أراد التوسع فليرجع
إلى كتاب النوبختي في فرق الشيعة .
فأنت أخي القارئ ترى أن القول باثني عشر إماما جاء متأخرا
جدا ، وإلا ما كانت هذه الفرقة بين الشيعة المتقدمين ، فهي أحاديث وضعت
بعد زمن من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ووفاة أكثر أئمة الشيعة .
فقد تبين لك أيها القارئ أن الشيعة هم الذين جعلوا هذا العدد مساويا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخيرا أقول : إن الرواية الصحيحة هي : ( كلهم من قريش ) ،
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر الأعم وهو يريد الأخص ، فهذا خلاف
البلاغة ، والنبي أبلغ الناس صلوات الله وسلامه عليه .
فلا أقول مثلا : ( كل عربي سأعطيه مائة دينار ) فإذا أتاني
مصري قلت له : أنا أقصد كل سوري . ألن يتهمني بالسفه والعي ، ويقول لي :
فقل إذاً كل سوري ؟!
والنبي صلوات الله وسلامه عليه لو كان يريد عليا وأبناءه
لقال : ( هم علي وأولاده ) وحتى لو قال : ( كلهم من بني هاشم ) لما كانت
بليغة ، فبنو هاشم كثر ، وقريش أكثر ، والرواية جاءت فيهم ، وإن كان
التيجاني وغيره يحتجون بهذا الحديث لتناسب الرقم ، فما رأيهم بالحديث الذي
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه [2779] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( في أمتي اثنا عشر منافقا [ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدُونَ
رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ] ) " انتهى.
"كشف الجاني محمد التيجاني" – ردا على كتاب "ثم اهتديت" – ص/75 فما بعدها.
والله أعلم .